فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

ومن باب الإشارة في الآيات: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ في الأرض} أي سافرتم في أرض الاستعداد لمحاربة عدو النفس أو لتحصيل أحوال الكمالات {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة} أي تنقصوا من الأعمال البدنية {إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الذين كَفَرُواْ} [النساء: 101] أي حجبوا عن الحق من قوى الوهم والتخيل، وحاصله الترخيص لأرباب السلوك عند خوف فتنة القوى أن ينقصوا من الأعمال البدنية ويزيدوا في الأعمال القلبية كالفكر والذكر ليصفوا القلب ويشرق نوره على القوى فتقل غائلتها فتزكو عند ذلك الأعمال البدنية، ولا يجوز عند أهل الاختصاص ترك الفرائض لذلك كما زعمه بعض الجهلة {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ} ولم تكن غائبًا عنهم بسيرك في غيب الغيب وجلال المشاهدة وعائمًا في بحار «لي مع الله تعالى وقت لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل» {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ} أي الأعمال البدنية {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مّنْهُمْ مَّعَكَ} وليفعلوا كما تفعل {وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ} من قوى الروح ويجمعوا حواسهم ليتأتى لهم المشابهة، أو ليقفوا على ما في فعلك من الأسرار فلا تضلهم الوسائس {فَإِذَا سَجَدُواْ} وبلغوا الغاية في معرفة ما أقمته لهم وأتوا به على وجهه {فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَائِكُمْ} ذابين عنكم اعتراض الجاهلين، أو قائمين بحوائجكم الضرورية {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أخرى} منهم {لَمْ يُصَلُّواْ} بعد {فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ} وليفعلوا فعلك {وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} كما أخذ الأولون أسلحتهم، وإنما أمر هؤلاء بأخذ الحذر أيضًا حثًا لهم على مزيد الاحتياط لئلا يقصروا فيما يراد منهم اتكالًا على الأخذ بعد ممن أخذ أولًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحاصل هذا الإشارة إلى أن تعليم الشرائع والآداب للمريدين ينبغي أن يكون لطائفة طائفة منهم ليتمكن ذلك لديهم أتم تمكن، وقيل: الطائفة الأولى إشارة إلى الخواص، والثانية إلى العوام ولهذا اكتفى في الأول بالأمر بأخذ الأسلحة، وفي الثاني أمر الحذر أيضًا {وَدَّ الذين كَفَرُواْ} وهم قوى النفس الأمارة {لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ} وهي قوى الروح {وَأَمْتِعَتِكُمْ} وهي المعارف الإلهية {فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً واحدة} ويرمونكم بنبال الآفات والشكوك ويهلكونكم {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى} بأن أصابكم شؤبوب {مّن مَّطَرٍ} يعني مطر سحائب التجليات {أَوْ كُنتُم مَّرْضَى} بحمى الوجد والغرام وعجزتم عن أعمال القوى الروحانية {أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ} وتتركوا أعمال تلك القوى حتى يتجلى ذلك السحاب وينقطع المطر وتهتز أرض قلوبكم بأزهار رحمة الله تعالى وتطفأ حمى الوجد بمياه القرب {وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ} عند وضع أسلحتكم واحفظوا قلوبكم من الالتفات إلى غير الله تعالى: {إِنَّ الله أَعَدَّ للكافرين} من القوى النفسانية {عَذَابًا مُّهِينًا} [النساء: 102] أي مذلًا لهم وذلك عند حفظ القلب وتنور الروح {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاة} أي أديتموها {فاذكروا الله} في جميع الأحوال {قِيَامًا} في مقام الروح بالمشاهدة {وَقُعُودًا} في محل القلب بالمكاشفة {وعلى جُنُوبِكُمْ} أي تقلباتكم في مكان النفس بالمجاهدة {فَإِذَا اطمأننتم} ووصلتم إلى محل البقاء {فَإِذَا قَضَيْتُمُ} فأدوها على الوجه الأتم لسلامة القلب حينئذٍ عن الوساوس النفسانية التي هي بمنزلة الحدث عند أهل الاختصاص {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاة فاذكروا الله قياما وَقُعُودًا} [النساء: 103] فلا تسقط عنهم ما دام العقل والحياة {وَلاَ تَهِنُواْ في ابتغاء القوم} الذين يحاربونكم وهم النفس وقواها {فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ} منكم لمنعكم لهم عن شهواتهم {كَمَا تَأْلَمونَ} منهم لمعارضتهم لكم عن السير إلى الله تعالى: {وَتَرْجُونَ مِنَ الله} أي تأملون منه سبحانه: {مَا لاَ يَرْجُونَ} لأنكم ترجون التنعم بجنة القرب والمشاهدة، ولا يخطر ذلك لهم ببال، أو تخافون القطيعة وهم لا يخافونها {وَكَانَ الله عَلِيمًا} فيعلم أحوالكم وأحوالهم {حَكِيمًا} [النساء: 104] فيفيض على القوابل حسب القابليات {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب} أي علم تفاصيل الصفات وأحكام تجلياتها {بالحق} متلبسًا ذلك الكتاب بالصدق أو قائمًا أنت بالحق لا بنفسك {لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس} خواصهم وعوامهم {بِمَا أَرَاكَ الله} أي بما علمك الله سبحانه من الحكمة {وَلاَ تَكُنْ لّلْخَائِنِينَ} الذين لم يؤدوا أمانة الله تعالى التي أودعت عندهم في الأزل مما ذكر في استعدادهم من إمكان طاعته وامتثال أمره {خَصِيمًا} [النساء: 105] تدفع عنهم العقاب وتسلط الخلق عليهم بالذل والهوان، أو تقول لله تعالى: يا رب لم خذلتهم وقهرتهم فإنهم ظالمون، ولله تعالى الحجة البالغة عليهم.
{واستغفر الله} من الميل الطبيعي الذي اقتضته الرحمة التي أحاطت بك {إِنَّ الله كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 106] فيفعل ما تطلبه منه وزيادة {وَلاَ تجادل} أحدًا {عَنِ الذين يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ} بتضييع حقوقها {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا} لنفسه {أَثِيمًا} [النساء: 107] مرتكبًا الإثم ميالًا مع الشهوات {يَسْتَخْفُونَ مِنَ الناس} بكتمان رذائلهم وصفات نفوسهم {وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ الله} بإزالتها وقلعها {وَهُوَ مَعَهُمْ} محيط بظواهرهم وبواطنهم {إِذْ يُبَيّتُونَ} أي يدبرون في ظلمة عالم النفس والطبيعة {مَا لاَ يرضى مِنَ القول} من الوهميات والتخيلات الفاسدة {وَكَانَ الله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا} [النساء: 108] فيجازيهم حسب أعمالهم {وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا} بظهور صفة من صفات نفسه {أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ} بنقص شيء من كمالاتها {ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ الله} ويطلب منه ستر ذلك بالتوجه إليه والتذلل بين يديه {يَجِدِ الله غَفُورًا رَّحِيمًا} [النساء: 110] فيستر ويعطي ما يقتضيه الاستعداد {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً} بإظهار بعض الرذائل {أَوْ إِثْمًا} بمحو ما في الاستعداد {ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا} بأن يقول: حملني الله تعالى على ذلك، أو حملني فلان عليه {فَقَدِ احتمل بهتانا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [النساء: 112] حيث فعل ونسب فعله إلى الغير ولو لم تكن مستعدة لذلك طالبة له بلسان الاستعداد في الأزل لم يفض عليه ولم يبرز إلى ساحة الوجود، ولذا أفحم إبليس اللعين أتباعه بما قص الله تعالى لنا من قوله: {إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق} إلى أن قال: {فَلاَ تَلُومُونِى وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ} [إبراهيم: 22]، {وَلَوْلاَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ} أي توفيقه وإمداده لسلوك طريقه {وَرَحْمَتُهُ} حيث وهب لك الكمال المطلق {لَهَمَّتْ طَّائِفَةٌ مّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ} لعود ضرره عليهم، وحفظك في قلاع استعدادك عن أن ينالك شيء من ذلك {وَأَنزَلَ الله عَلَيْكَ الكتاب} الجامع لتفاصيل العلم {والحكمة} التي هي أحكام تلك التفاصيل مع العمل {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} من علم عواقب الخلق وعلم ما كان وما سيكون {وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113] حيث جعلك أهلًا لمقام قاب قوسين أو أدنى ومنّ عليك بما لا يحيط به سوى نطاق الوجود {لاَّ خَيْرَ في كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ} وهو ما كان من جنس الفضول، والأمر الذي لا يعني {إِلا} نجوى {مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ} وأرشد إلى فضيلة السخاء الناشئ من العفة، {أَوْ مَعْرُوفٍ} قولي كتعلم علم، أو فعلي كإغاثة ملهوف {أَوْ إصلاح بَيْنَ الناس} الذي هو من باب العدل {وَمَن يَفْعَلْ ذلك} ويجمع بين تلك الكمالات {ابتغاء مَرْضَاتَ الله} لا للرياء والسمعة من كل ما يعود به الفضيلة رذيلة فسوف يؤتيه الله تعالى: {أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 114] ويدخله جنات الصفات {وَمَن يُشَاقِقِ الرسول} أي يخالف ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، أو العقل المسمى عندهم بالرسول النفسي {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤمنين} أي غير ما عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن اقتفى أثرهم من الأخيار أو القوى الروحانية {نُوَلّهِ مَا تولى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ} الحرمان {وَسَاءتْ مَصِيرًا} [النساء: 115] لمن يصلاها {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إناثا} وهي الأصنام المسماة بالنفوس إذ كل من يعبد غير الله تعالى فهو عابد لنفسه مطيع لهواها، أو المراد بالإناث الممكنات لأن كل ممكن محتاج ناقص من جهة إمكانه منفعل متأثر عند تعينه فهو أشبه كل شيء بالأنثى {وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شيطانا مَّرِيدًا} [النساء: 117] وهو شيطان الوهم حيث قبلوا إغواءه وأطاعوه {لَّعَنَهُ الله} أي أبعده عن رياض قربه {وَقَالَ لاَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا} [النساء: 118] وهم غير المخلصين الذين استثنوا في آية أخرى {وَلاَضِلَّنَّهُمْ} عن الطريق الحق {وَلامَنّيَنَّهُمْ} الأماني الفاسدة من كسب اللذات الفانية {وَلاَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتّكُنَّ ءاذَانَ الأنعام} أي فليقطعن آذان نفوسهم عن سماع ما ينفعهم {وَلاَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيّرُنَّ خَلْقَ الله} [النساء: 119] وهي الفطرة التي فطر الناس عليها من التوحيد {والذين ءامَنُواْ} ووحدوا {وَعَمِلُواْ الصالحات} واستقاموا {سَنُدْخِلُهُمْ جنات} [النساء: 122] جنة الأفعال وجنة الصفات وجنة الذات {لَّيْسَ} أي حصول الموعود {بأمانيكم وَلا أَمَانِىّ أَهْلِ الكتاب} [النساء: 123] بل لابد من السعي فيما يقتضيه، وفي المثل إن التمني رأس مال المفلس، {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا} أي حالًا {مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله} وسلم نفسه إليه وفنى فيه {وَهُوَ مُحْسِنٌ} مشاهد للجمع في عين التفصيل سالك طريق الإحسان بالاستقامة في الأعمال {واتَّبَعَ مِلَّةَ إبراهيم} في التوحيد {حَنِيفًا} مائلًا عن السوي {واتخذ الله إبراهيم خَلِيلًا} [النساء: 125] حيث تخللت المعرفة جميع أجزائه من حيث ما هو مركب فلم يبق جوهر فرد إلا وقد حلت فيه معرفة ربه عز وجل فهو عارف به بكل جزء منه، ومن هنا قيل: إن دم الحلاج لما وقع على الأرض انكتب بكل قطرة منه الله؛ وأنشد:
ما قدّ لي عضو ولا مفصل ** إلا وفيه لكم ذكر

{وَللَّهِ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض} لأن كل ما برز في الوجود فهو شأن من شؤونه سبحانه: {وَكَانَ الله بِكُلّ شَئ مُّحِيطًا} [النساء: 126] من حيث إنه الذي أفاض عليه الجود، وهو رب الكرم والجود، لا رب غيره؛ ولا يرجى إلا خيره. اهـ.

.تفسير الآية رقم (127):

قوله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما كان سبحانه وتعالى قد رتب هذا الكتاب على أنه يذكر أحكامًا من الأصول والفروع، ثم يفصلها بوعد ووعيد وترغيب وترهيب، وينظمها بدلائل كبريائه وجلاله وعظيم بره وكماله، ثم يعود إلى بيان الأحكام على أبدع نظام لأن إلقاء المراد في ذلك القالب أقرب إلى القبول، والنظم كذلك أجدر بالتأثير في القلوب، لأن التكليف بالأعمال الشاقة لا تنقاد له النفوس إلا إذا كان مقرونًا ببشارة ونذارة، وذلك لا يؤثر إلا عند القطع بغاية الكمال لمن صدر عنه ذلك المقال، ولا ينتقل مع ذلك من أسلوب إلى آخر إلا على غاية ما يكون من المناسبة بين آخر كل نوع وأول ما بعده بكمال التعلق لفظًا ومعنى، وفعل سبحانه وتعالى في هذه السورة في أحكام العدل الذي بدأ السورة به في المواصلة التي مبناها النكاح والإرث وغير ذلك مما اتصل به- كما بين- إلى أن ختم هنا بالإسلام المثمر لقبول ذلك كله وعظمة الملك الموجبة لتمام الإسلام، وقامت البراهين وسطعت الحجج، وكان من أعظم مقاصد السورة العدل في الضعفاء من الأيتام وغيرهم في الميراث وغيره، وكان توريث النساء والأطفال- ذكورًا كانوا أو إناثًا- مما أبته نفوسهم، وأشربت بغضه قلوبهم، وكان التفريق في إثبات ما هذا سبيله أنجع، وإلقاؤه شيئًا فشيئًا في قوالب البلاغة أنفع؛ وصل بذلك قوله تعالى: {ويستفتونك} في جملة حالية من اسم الجلالة التي قبلها، أي له ما ذكر فلا مساغ للاعتراض عليه والحال أنهم يسألونك طلبًا لأن تتفتى عليهم بالجواب في بعض ما أعطى من ملكه لبعض مخلوقاته {في النساء} طمعًا في الاستئثار عليهم بالمال وغيره محتجين بأنه لا ينبغي أن يكون المال إلا لمن يحمي الذمار والحال أنهم قد عبدوا من دونه إناثًا، وجعلوا لهم مما خولهم فيه من الرزق الذي ملكهم له بضعف من الحرث والأنعام نصيبًا، فلا تعجب من حال من كرر الاستفتاء- الذي لا يكون في العرف غالبًا إلا فيما فيه اعتراض- في إناث أحياء وأطفال ذكور وأعطاهم المِلك التام المُلك العظيم المِلك بعض ما يريد، ولم يعترض على نفسه حيث أعطى إناثًا لا حياة لها ولا منفعة مما في يده، وملكه في الحقيقة لغيره، ولم يأذن فيه المالك ما لا ينتفع به المعطي.
ولما كان المقام بكثرة الاستفتاء محتاجًا إلى زيادة الاعتناء قال: {قل الله} آمرًا معبرًا بالاسم الأعظم منبهًا على استحضار ما ذكر أول السورة {يفتيكم} أي يبين لكم حكمه {فيهن} أي الآن لأن تقوموا لهن بالقسط {وما} أي مع ما {يتلى عليكم} أي تجدد فيكم تلاوته إلى آخر الدهر سيفًا قاطعًا وحكمًا ماضيًا جامعًا {في الكتاب} أي فيما سبق أول السورة في قوله: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء}، وغير ذلك {في يتامى النساء} أي في شأن التيامى من هذا الصنف {اللاّتي لا تؤتونهن} أي بسبب التوقف في ذلك وتكرير الاستفتاء عنه {ما كتب لهن} أي ما فرض من الميراث وسائر الحقوق فرضًا وهو في غاية اللزوم {وترغبون أن} أي في أن أو عن أن {تنكحوهن} لجمالهن أو لدمامتهن {و} يفتيكم في {المستضعفين} أي الموجود ضعفهم والمطلوب إضعافهم، يمنعهم حقوقهم {من الولدان}.